يُعتبر مسيلمة الكذاب من أكثر الشخصيات إثارة للجدل في التاريخ الإسلامي، فقد ادّعى النبوة في أواخر عهد النبي محمد ﷺ، وشكّل تهديدًا كبيرًا لوحدة المسلمين. لكن كيف نشأ؟ وكيف انتشرت دعوته؟ ولماذا لقّب بالكذاب؟ هذا المقال يتناول سيرته منذ ظهوره حتى سقوطه المدوي في معركة اليمامة.
![]() |
صورة تخيلية musaylima-al-kazzab |
نشأته وانتماؤه القبلي
اسمه الحقيقي هو مسيلمة بن ثمامة بن كثير بن حبيب الحنفي، وينتمي إلى قبيلة بني حنيفة، وهي إحدى القبائل القوية في اليمامة (الواقعة في نجد، وسط الجزيرة العربية). كانت قبيلته من أكثر القبائل نفوذًا، وكان لها تاريخ طويل في التجارة والعلاقات مع القبائل الأخرى.

ظهوره وادعاؤه النبوة
كان مسيلمة من بين الوفود التي جاءت إلى المدينة المنورة لمقابلة النبي محمد ﷺ في السنة التاسعة للهجرة. يقال إنه أعجب بما رآه من قوة الإسلام، لكنه رأى أن من الممكن أن يكون له نصيب من هذا النفوذ. بعد عودته إلى اليمامة، بدأ يدّعي أنه نبي مرسل، وادّعى أن الوحي ينزل عليه كما كان ينزل على النبي محمد ﷺ.
بدأ مسيلمة بالترويج لدعوته بين بني حنيفة مستخدمًا الحيل والخرافات، وزعم أنه شريك للنبي محمد ﷺ في النبوة. كتب إلى النبي رسالة قال فيها: من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله، أما بعد، فإني قد أُشركت في الأمر معك، ولنا نصف الأرض ولقريش نصفها، ولكن قريش قوم يعتدون.
رد عليه النبي محمد ﷺ برسالة واضحة وصارمة جاء فيها: بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب، السلام على من اتبع الهدى، أما بعد، فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده، والعاقبة للمتقين.
خرافاته وسخافاته وتحالفه مع سجاح
حاول مسيلمة أن يؤلف نصوصًا تشبه القرآن الكريم، لكنه فشل فشلًا ذريعًا. ومن أشهر "آياته" المزعومة:
- "يا ضفدع بنت ضفدعين، نقي ما تنقين، نصفك في الماء ونصفك في الطين، لا الماء تكدرين، ولا الشراب تمنعين."
- "الفيل وما أدراك ما الفيل، له خرطوم طويل، وذيل قصير."
- "المبرقع المسجع، يخرج من الأرض ويأكل الشعير."
كانت هذه "الآيات" سببًا في سخرية الناس منه، حتى إن بعض أتباعه لم يكونوا يؤمنون به بصدق، ولكنهم اتبعوه لمصالح دنيوية.
ومن الأمور التي ساعدت في انتشار دعوته تحالفه مع امرأة تُدعى سجاح بنت الحارث، التي ادعت النبوة أيضًا. اتفقا على أن يتزوجا لتوحيد صفوف أتباعهما، لكن تحالفهما لم يدم طويلًا، وسرعان ما عاد التنافس بينهما.
حروب الردة ومعركة اليمامة
بعد وفاة النبي محمد ﷺ، بدأ الخليفة أبو بكر الصديق رضي الله عنه بمواجهة المرتدين، وكان مسيلمة أخطرهم. أرسل أبو بكر جيشًا بقيادة خالد بن الوليد رضي الله عنه لمواجهة جيش مسيلمة في معركة اليمامة سنة 11 هـ.
كانت المعركة عنيفة، وواجه المسلمون مقاومة شرسة من أتباع مسيلمة، لكنهم تمكنوا في النهاية من تحقيق النصر بعد قتال ضارٍ قُتل فيه مسيلمة على يد وحشي بن حرب، نفس الرجل الذي قتل حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه يوم أحد، وبذلك انتهت فتنة مسيلمة الكذاب.
الخاتمة
كانت قصة مسيلمة الكذاب واحدة من أبرز الفتن التي واجهها المسلمون بعد وفاة النبي ﷺ، لكنها انتهت بانتصار الإسلام وإعادة الاستقرار للجزيرة العربية. تظل هذه القصة شاهدًا على محاولات التضليل، وكيف أن الحق ينتصر في النهاية.
المصادر
- الطبري، "تاريخ الأمم والملوك"، دار المعارف.
- ابن كثير، "البداية والنهاية"، دار الفكر.
- ابن الأثير، "الكامل في التاريخ"، دار الكتب العلمية.
- الذهبي، "سير أعلام النبلاء"، مؤسسة الرسالة.